تواصل أسعار النفط العالمية مسارها الهابط مع نهاية تعاملات الأسبوع، لتسجل خسائر أسبوعية تقارب 1%، وسط تزايد المخاوف بشأن تباطؤ الطلب على الوقود في أكبر اقتصادين في العالم: الولايات المتحدة والصين. ويأتي هذا التراجع في وقت يترقب فيه المستثمرون تطورات سياسية دولية مهمة، على رأسها اللقاء المرتقب بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، والذي قد تكون له انعكاسات مباشرة على أسواق الطاقة العالمية.
تراجع الأسعار في جلسة الجمعة
بحسب بيانات وكالة “رويترز”، انخفضت العقود الآجلة لخام برنت في تعاملات الجمعة بنحو 66 سنتاً أو ما يعادل 0.99%، لتسجل 66.17 دولاراً للبرميل بحلول الساعة 09:08 بتوقيت غرينتش. في الوقت ذاته، تراجعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي بمقدار 72 سنتاً أو بنسبة 1.14% لتستقر عند 63.23 دولاراً للبرميل.
وبالنظر إلى أداء الخامين على مدار الأسبوع، يتجه خام برنت إلى خسائر أسبوعية تقدر بـ 0.6%، في حين يستعد خام غرب تكساس لتسجيل انخفاض بنحو 1.02%.
بيانات صينية مثيرة للقلق
شكّلت الصين، ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم، محوراً رئيسياً في ضغوط البيع الأخيرة، بعدما أظهرت بيانات حكومية صدرت الجمعة أن نمو إنتاج المصانع تراجع إلى أدنى مستوى في ثمانية أشهر، بالتزامن مع تسجيل أبطأ وتيرة لمبيعات التجزئة منذ ديسمبر الماضي.
ورغم تسجيل استهلاك المصافي الصينية ارتفاعاً نسبته 8.9% على أساس سنوي في يوليو، إلا أن هذه الزيادة تبقى أقل من مستويات يونيو، التي كانت قد بلغت أعلى مستوى لها منذ سبتمبر 2023. كما أن ارتفاع صادرات الصين من المنتجات النفطية في يوليو مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، يشير بوضوح إلى انخفاض الطلب المحلي على الوقود، وهو ما عزز من التوقعات السلبية لأسواق الطاقة.
الضغوط الأميركية.. تضخم مرتفع وتراجع في الوظائف
في الولايات المتحدة، ساهمت البيانات الاقتصادية الأخيرة في زيادة حالة القلق في أسواق النفط. فقد أظهرت الأرقام أن معدل التضخم جاء أعلى من التوقعات، في حين أن أعداد الوظائف الجديدة جاءت دون المستوى المطلوب. هذه المؤشرات عززت المخاوف من أن يُبقي مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول، وهو ما قد يضغط على النشاط الاقتصادي وبالتالي على الطلب على الوقود.
اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يتحكم في أسعار تذاكر الطيران: فرص أكبر وتحديات أخلاقية
فائض في المعروض العالمي
إلى جانب العوامل الاقتصادية، هناك توقعات متزايدة بزيادة الفائض في سوق النفط خلال الأشهر المقبلة، نتيجة ارتفاع الإمدادات مقارنة بالطلب. هذا التوازن المختل بين العرض والطلب يعمّق المخاوف من استمرار الضغوط على الأسعار، خاصة مع ضعف المؤشرات الاقتصادية في الاقتصادات الكبرى.
ترقب سياسي.. لقاء ترامب وبوتين
لا يقتصر تأثير الأسواق على البيانات الاقتصادية فقط، بل يمتد إلى التطورات السياسية والجيوسياسية. فاليوم الجمعة، تتجه الأنظار إلى الاجتماع المرتقب بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا، حيث يتصدر ملف الحرب في أوكرانيا جدول أعمال اللقاء.
في حال التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار أو التوصل إلى تفاهمات سياسية جديدة، فإن ذلك قد يفتح الباب أمام تغيرات جوهرية في أسواق النفط، خصوصاً وأن روسيا تُعد أحد أكبر مصدري الخام عالمياً. أما في حال استمرار الصراع، فإن الأسواق ستظل مدعومة بقدر من الدعم السعري نتيجة القيود المفروضة على إمدادات النفط الروسي.
تصريحات ترامب: “روسيا مستعدة لإنهاء الحرب”
وفي تصريحات أثارت تفاعلاً واسعاً في الأسواق، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه يعتقد أن روسيا مستعدة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، ما أثار تكهنات حول إمكانية حدوث اختراق سياسي قريب قد يغير المشهد الجيوسياسي وربما يعيد رسم خريطة الإمدادات العالمية للطاقة.
قراءة مستقبلية للأسواق
يرى محللون أن التراجع الحالي في أسعار النفط لا يعكس فقط المخاوف الاقتصادية الراهنة، بل أيضاً حالة الترقب التي تسود الأسواق قبيل القرارات السياسية الكبرى. فإذا ما استمرت الصين في تسجيل بيانات سلبية، وأبقى الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على تشديده النقدي، فقد تتعرض أسعار النفط لمزيد من الضغوط خلال الأسابيع المقبلة.
في المقابل، فإن أي تطورات إيجابية على صعيد الحرب في أوكرانيا، أو أي إشارات من البنوك المركزية الكبرى بخصوص تخفيف السياسات النقدية، قد تدعم أسعار النفط وتساعدها على التعافي من خسائرها الحالية.
خلاصة
إجمالاً، يمكن القول إن أسواق النفط العالمية عالقة حالياً بين مطرقة البيانات الاقتصادية الضعيفة وسندان التوترات الجيوسياسية. وبينما تشير المؤشرات الحالية إلى خسائر أسبوعية تقارب 1%، فإن الصورة الأكبر تظل رهناً بمسار الاقتصاد العالمي من جهة، والتطورات السياسية من جهة أخرى. فهل تشهد أسعار النفط انتعاشاً جديداً قريباً، أم أن التراجعات ستتواصل؟ الإجابة ستعتمد على ما ستسفر عنه الأيام المقبلة من قرارات اقتصادية وتحركات سياسية.