في خطوة اقتصادية وُصفت بأنها الأكبر منذ تطبيق ضريبة السلع والخدمات في البلاد، أعلن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عن خطة لخفض ضريبة الاستهلاك (GST) لأول مرة منذ نحو عشر سنوات، وذلك في إطار جهود حكومته لتحفيز الطلب المحلي ودعم النمو الاقتصادي في ظل التحديات العالمية والتجارية الراهنة.
مودي يعلن عن إصلاحات ضريبية تاريخية
خلال خطابه إلى الأمة بمناسبة الذكرى الـ79 لاستقلال الهند في نيودلهي، قال مودي: “نحن نطرح إصلاحات ضريبية متطورة على السلع والخدمات، من شأنها تخفيض العبء الضريبي بشكل كبير في جميع أنحاء البلاد”. وأضاف أن هذه التعديلات ستدخل حيز التنفيذ مع حلول أعياد ديوالي في أكتوبر المقبل، وهو ما سيمنح دفعة قوية لقطاعات التصنيع والتجارة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
خلفية عن نظام ضريبة الاستهلاك في الهند
بدأ تطبيق ضريبة الاستهلاك (GST) في الهند عام 2017، كأكبر إصلاح ضريبي في تاريخ البلاد، حيث وحدت عشرات الضرائب غير المباشرة في نظام واحد. إلا أن النظام الحالي يتميز بتعقيداته الكثيرة، إذ يتضمن أربع فئات رئيسية بمعدلات 5%، 12%، 18%، و28%، إلى جانب ضرائب إضافية على ما يُعرف بـ “السلع المعيبة” مثل السجائر وبعض المنتجات الكمالية.
ومنذ سنوات، تطالب الشركات المحلية والدولية بتبسيط هذا النظام لتقليل البيروقراطية وتعزيز الامتثال الضريبي، حيث ترى أن تعدد الفئات يضع عبئاً إضافياً على المستثمرين والمستهلكين على حد سواء.
تفاصيل الإصلاح الجديد
وفقاً لمسؤول هندي صرّح للصحفيين في نيودلهي، فإن الحكومة تخطط لتقليص الفئات الضريبية إلى مستويين فقط:
- 5% على السلع الأساسية وبعض السلع الاستهلاكية التي كانت سابقاً ضمن فئة 12%.
- 18% على غالبية السلع والخدمات التي كانت تخضع لضريبة 28% في السابق.
وبذلك، سيتم إلغاء فئتي 12% و28% نهائياً، وهو ما يعني عملياً أن السلع التي كانت تُفرض عليها ضريبة 12% ستخضع لضريبة أقل تبلغ 5%، في حين أن 90% من السلع التي كانت تخضع لضريبة 28% ستُخفض إلى 18%.
هذا التغيير من شأنه أن يقلل الأسعار النهائية للعديد من المنتجات في السوق المحلي، ويمنح المستهلكين قدرة شرائية أكبر، وهو ما يتوقع أن يؤدي إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي خلال الفترة المقبلة.
أثر الإصلاح على الاقتصاد المحلي
يرى خبراء الاقتصاد أن هذه الخطوة ستعزز الدخل المتاح للأسر الهندية، خصوصاً في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة. كما ستساعد الشركات على تحريك مبيعاتها بعد فترة من التباطؤ، خاصة مع الضغوط الناجمة عن الرسوم الجمركية الأميركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الصادرات الهندية.
فقد فرضت الإدارة الأميركية رسوماً أساسية بنسبة 25% على العديد من المنتجات الهندية، إلى جانب رسوم عقابية مماثلة على خلفية استيراد الهند للنفط الروسي، ما أدى إلى تراجع تنافسية السلع الهندية في الأسواق العالمية. ومن هنا، تأمل نيودلهي أن يساهم خفض الضرائب المحلية في تعزيز الطلب الداخلي وتعويض جزء من تراجع الطلب الخارجي.
اقرأ أيضاً: أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسائر أسبوعية.. المخاوف الاقتصادية تضغط على الأسواق
المستفيد الأكبر.. المستهلك والمشروعات الصغيرة
بحسب محللين، فإن أبرز المستفيدين من هذه الإصلاحات سيكونون المستهلكون من الطبقة الوسطى، الذين يشكلون العمود الفقري للاقتصاد الهندي، إضافة إلى المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل نسبة كبيرة من النشاط الاقتصادي في البلاد. فالضرائب المخفّضة ستمنح هذه الشركات فرصة لتوسيع إنتاجها وخفض تكاليفها التشغيلية.
كما أن القطاعات الاستهلاكية مثل الإلكترونيات، السيارات، السلع المعمرة، والأزياء ستكون من أبرز الرابحين، إذ ستنعكس التخفيضات الضريبية بشكل مباشر على أسعار منتجاتها.
هل تكفي هذه الخطوة؟
رغم التفاؤل الذي صاحب إعلان مودي، يرى بعض الخبراء أن هذه الخطوة وحدها قد لا تكون كافية لدعم الاقتصاد الهندي بشكل شامل، خاصة مع التحديات العالمية مثل تباطؤ الاقتصاد الصيني، وارتفاع أسعار الفائدة الأميركية، والتوترات التجارية المتصاعدة.
لكن في المقابل، فإن هذه الإصلاحات الضريبية قد تمثل خطوة أولى نحو مسار طويل من إعادة هيكلة السياسة المالية في الهند، لجعلها أكثر مرونة وعدالة، وتتماشى مع أهداف النمو التي وضعتها الحكومة للسنوات المقبلة.
نحو نظام ضريبي أبسط وأكثر شفافية
التحول إلى نظام ضريبي أبسط بفئتين فقط سيُسهم في تحسين الامتثال الضريبي، وتقليل حالات التهرب أو سوء التصنيف الضريبي، وهي مشكلات عانت منها الهند منذ إطلاق نظام الـ GST. كما سيعزز هذا التبسيط ثقة المستثمرين الأجانب، الذين ينظرون إلى الهند كسوق واعدة لكنها معقدة من الناحية البيروقراطية.
خاتمة
بإعلانها عن أول خفض لضريبة الاستهلاك منذ عقد، تدخل الهند مرحلة جديدة من الإصلاحات الاقتصادية التي تهدف إلى تحفيز الطلب المحلي وتخفيف الضغوط على المستهلكين والشركات. وبينما ينتظر السوق المحلي دخول الإصلاحات حيز التنفيذ في أكتوبر المقبل، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح هذه الخطوة في موازنة الضغوط الخارجية والداخلية التي تواجه ثالث أكبر اقتصاد في آسيا؟
الجواب سيتضح مع مرور الأشهر المقبلة، لكن المؤكد أن هذه التغييرات ستعيد رسم خريطة الأسعار والاستهلاك في الهند، وتمنح الاقتصاد دفعة يحتاجها بشدة في مواجهة التحديات العالمية.