في خطوة جديدة على طريق تطوير الروبوتات الدقيقة المستوحاة من الكائنات الحية، أعلن فريق بحثي من جامعة الإلكترونيات والعلوم التكنولوجية الصينية بمدينة تشنغدو عن ابتكار روبوت صغير الحجم يتمتع بقدرات مذهلة في الحركة والمناورة.
أطلق عليه مبتكروه اسم “الصرصور الإلكتروني” نظرًا لتشابهه في الشكل والقدرة على التحمل مع الصرصور الحقيقي، وقد تم نشر تفاصيل الابتكار في المجلة العلمية المرموقة Nature Communications.
تصميم مدمج وأداء مذهل
يبلغ طول الروبوت حوالي 2 سنتيمتر فقط، ويزن قليلًا أكثر من غرام واحد، مما يجعله قادرًا على التسلل إلى أضيق المساحات التي لا تستطيع الروبوتات التقليدية الوصول إليها. وعلى الرغم من حجمه الصغير، يمتلك “الصرصور الإلكتروني” سرعة استثنائية، إذ يمكنه قطع مسافة تعادل 4.8 مرة طول جسمه في ثانية واحدة، إضافة إلى قدرته على الدوران بزاوية تصل إلى 280 درجة في الثانية.
هذه الخصائص تمنحه قدرة عالية على المناورة في بيئات معقدة، سواء كانت أرضية أو مائية، وهي ميزة لم تتحقق إلا نادرًا في مجال الروبوتات الدقيقة.
آلية حركة متطورة
صرح البروفيسور بينغ باي، أحد قادة المشروع، أن الميزة الأبرز لهذا الروبوت مقارنة بمثيلاته تكمن في التحكم الدقيق في شكل حركة الأطراف وزاوية انحراف مسارها، وهو ما يتم عبر تعديل تردد محرك واحد فقط، ما يبسّط التصميم ويزيد من كفاءته.
قدرات برمائية
واحدة من النقاط التي تميز “الصرصور الإلكتروني” عن غيره من الروبوتات الدقيقة هي قدرته على العمل كروبوت برمائي، إذ يمكنه التحرك بسهولة على اليابسة أو في الماء. وعند دخوله البيئة المائية، تتحول أرجله الأربعة تلقائيًا إلى مجاديف صغيرة تمكنه من السباحة بكفاءة، مما يوسع من نطاق استخداماته في مهام متنوعة.
تحمل استثنائي
رغم حجمه الصغير وخفة وزنه، يتمتع الروبوت بقدرة تحمل مذهلة. فقد أظهر تصميمه القابل للطي قدرة على تحمل ضغط خارجي يصل إلى 60 كيلوغرامًا دون أن يتعرض لأي تلف، وهي خاصية مستوحاة من البنية القوية للصرصور الطبيعي.
إقرا أيضاً : كشف أسرار أربع سفن غارقة من القرن الـ18 قبالة سواحل كارولينا الشمالية… بينها السفينة الإسبانية الأسطورية لا فورتونا
تطبيقات عملية واسعة
يفتح هذا الابتكار الباب أمام مجموعة واسعة من التطبيقات العملية، خاصة في البيئات التي يصعب على البشر أو الروبوتات الكبيرة الوصول إليها، ومنها:
- عمليات البحث والإنقاذ في المباني المنهارة أو المناطق المنكوبة.
- فحص وصيانة خطوط الأنابيب الضيقة والمعقدة.
- العمل في البيئات الصناعية أو المعامل التي تتطلب روبوتات صغيرة ودقيقة.
- الاستكشاف العلمي في الكهوف والمناطق النائية.
تحديات تقنية قائمة
على الرغم من الإمكانيات المبهرة، إلا أن “الصرصور الإلكتروني” ما زال يواجه بعض التحديات قبل اعتماده تجاريًا أو ميدانيًا. وأوضح الأستاذ المساعد وو ييتشوان أن بطارية الليثيوم-أيون المثبتة على الروبوت توفر 20 دقيقة فقط من التشغيل المستمر، وهو ما يحد من قدرته على تنفيذ المهام الطويلة.
كما أشار الباحثون إلى ضرورة تحسين كفاءة استهلاك الطاقة، وزيادة زمن التشغيل، وتطوير أنظمة تحكم أكثر تقدمًا لزيادة دقة الحركة في البيئات المعقدة.
خطط مستقبلية للتطوير
لا يقتصر طموح الفريق البحثي على تحسين البطارية فقط، بل يخططون لإضافة ميزات جديدة مثل القفز لتجاوز العوائق، والتحليق لمسافات قصيرة عبر أجنحة ميكانيكية، وهو ما سيجعل الروبوت أكثر مرونة في التنقل بين البيئات المختلفة.
انعكاسات الابتكار على صناعة الروبوتات
يمثل “الصرصور الإلكتروني” مثالًا بارزًا على التوجه العالمي نحو الروبوتات الحيوية (Bio-inspired Robots)، وهي أجهزة مستوحاة من الطبيعة تسعى لمحاكاة كفاءة الكائنات الحية في الحركة والبقاء. ومع تزايد الاهتمام بالتقنيات القادرة على العمل في البيئات القاسية، يمكن أن يصبح هذا النوع من الروبوتات جزءًا أساسيًا من استراتيجيات البحث والإنقاذ، والصناعات الدقيقة، وحتى المهمات الفضائية المستقبلية.
بفضل حجمه الصغير، ومرونته الفائقة، وقدرته على العمل في اليابسة والماء، يقدم “الصرصور الإلكتروني” نموذجًا لما يمكن أن تحققه الهندسة الميكانيكية الدقيقة عند دمجها مع الإبداع البشري. ومع استمرار تطويره، قد نشهد في المستقبل القريب استخدامه في عمليات معقدة، من إنقاذ الأرواح إلى استكشاف مناطق لم يسبق للبشر الوصول إليها.