الصين تعزز نفوذها عبر منظمة شنغهاي للتعاون وتدعو للتخلي عن عقلية المواجهة
في خطوة جديدة تعكس توجه بكين لتعزيز نفوذها العالمي، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ عن تقديم منح مالية ودعم اقتصادي كبير للدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون، مؤكداً على ضرورة مناهضة “عقلية الحرب الباردة” وتوسيع مجالات التعاون في مجالات الأمن والتنمية.
الدعم المالي الصيني: استثمارات ومنح بمليارات اليوان
أوضح شي جين بينغ، خلال القمة التي عُقدت في مدينة تيانجين الساحلية، أن الصين ستمنح الدول الأعضاء هذا العام ملياري يوان (ما يعادل 275 مليون دولار) لدعم مشروعات التنمية والبنية التحتية. كما أعلن عن تخصيص 10 مليارات يوان إضافية على مدى السنوات الثلاث المقبلة لصالح اتحاد مصرفي مشترك، بهدف تسهيل القروض وتعزيز التعاون المالي بين الدول الأعضاء.
هذا الدعم لا يأتي فقط في إطار اقتصادي بحت، بل يعكس رغبة بكين في ترسيخ موقعها كلاعب رئيسي داخل المنظمة التي تضم دولاً كبرى مثل روسيا والهند وباكستان وإيران.
منظمة شنغهاي للتعاون: تكتل إقليمي يتوسع باستمرار
خلفية تأسيس المنظمة
تأسست منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) عام 2001 بمبادرة من الصين وروسيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان. كان الهدف الأساسي آنذاك هو تعزيز التعاون الأمني ومكافحة “التطرف والإرهاب” في آسيا الوسطى.
توسع العضوية
منذ ذلك الحين، توسعت المنظمة لتضم دولاً جديدة بينها الهند وباكستان وإيران، بينما تسعى دول أخرى مثل تركيا وميانمار للانضمام. كما تمتلك المنظمة شركاء بصفة مراقب مثل منغوليا والسعودية، ليصل العدد الإجمالي للدول المرتبطة بها إلى أكثر من 26 دولة.
دورها في التوازن الدولي
ينظر العديد من المراقبين إلى المنظمة باعتبارها تكتلاً موازياً لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في الشرق، خاصة أنها تجمع قوى نووية كبرى وتتحكم في مناطق استراتيجية حيوية مثل آسيا الوسطى والبحر الأسود والبحر العربي.
الصين تدعو لمناهضة “عقلية الحرب الباردة”

تصريحات شي جين بينغ
أمام حضور واسع شمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، أكد شي أن العالم بحاجة إلى “توسيع كعكة التعاون” بدلاً من الانخراط في صراعات بين التكتلات. وقال:
“علينا أن نستفيد من إمكانات كل دولة لتحقيق السلام والتنمية والازدهار، ومواجهة سياسات التنمر وعقلية الحرب الباردة”.
إشارة إلى السياسات الأميركية
رغم أنه لم يذكر الولايات المتحدة بالاسم، إلا أن حديث شي عُد بمثابة انتقاد مباشر لسياسات واشنطن، خصوصاً في ظل الحروب التجارية التي اندلعت خلال عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولا تزال آثارها مستمرة حتى اليوم.
مبادرات تنموية وتعليمية لتعزيز التعاون
إلى جانب الدعم المالي، أعلن شي جين بينغ عن خطط لتنفيذ 100 مشروع صغير وجميل في الدول الأعضاء لتحسين سبل العيش وتعزيز التنمية المحلية. كما أكد مضاعفة عدد المنح الدراسية المخصصة لطلاب دول المنظمة، في خطوة تهدف إلى توسيع التبادل الثقافي وبناء جسور طويلة الأمد بين الشعوب.
اقرأ ايضا: الهند تعلن عن أول خفض لضريبة الاستهلاك منذ عقد.. مودي يعد بإصلاحات لتحفيز الاقتصاد
حضور إقليمي ودولي واسع
قادة بارزون في القمة
شهدت القمة حضور قادة عالميين من أبرزهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف.
هذا التنوع في الحضور يعكس أن المنظمة باتت منصة محورية للنقاشات الإقليمية، خصوصاً فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، الصراع التجاري مع الولايات المتحدة، والأزمات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
فرصة لبوتين لتعزيز حضوره
بالنسبة لروسيا، مثلت القمة فرصة للرئيس فلاديمير بوتين لعقد محادثات مباشرة مع نظيريه الصيني والهندي، خصوصاً بعد لقائه الأخير بالرئيس الأميركي في ألاسكا. ويرى محللون أن هذا النوع من اللقاءات قد يساهم في إعادة تشكيل ملامح التوازن الدولي في ظل الحرب الأوكرانية.
العلاقات الصينية الهندية: بداية مرحلة جديدة؟
على هامش القمة، عقد الرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي اجتماعاً ثنائياً هو الأول منذ سبع سنوات. وأكد الزعيمان عزمهما على إعادة بناء العلاقات بعد سنوات من التوتر الحدودي والخلافات التجارية.
أحد أبرز نتائج الاجتماع كان الإعلان عن استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين بكين ونيودلهي، في خطوة قد تمثل بداية جديدة في العلاقات بين أكبر قوتين آسيويتين تواجهان تحديات مشتركة مع واشنطن.
أهمية القمة في السياق العالمي
تأتي قمة منظمة شنغهاي للتعاون في وقت يشهد العالم تصاعداً في التوترات:
- استمرار الحرب في أوكرانيا.
- الأزمات الاقتصادية الناتجة عن الرسوم الجمركية والعقوبات.
- تصاعد النزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط وآسيا.
في هذا السياق، تحاول الصين وروسيا تقديم المنظمة كبديل متعدد الأقطاب للنظام الدولي التقليدي، ما يعكس تحولات كبيرة في موازين القوى العالمية.
من خلال المنح المالية، المبادرات التنموية، والدعوات السياسية لمناهضة “عقلية الحرب الباردة”، تسعى الصين إلى ترسيخ دورها كقوة قيادية في آسيا والعالم عبر منظمة شنغهاي للتعاون. وبينما يرى البعض أن المنظمة ما تزال دون مستوى “التحالف العسكري” مثل الناتو، إلا أن توسعها المستمر وتزايد قوتها الاقتصادية والسياسية قد يجعلها رقماً صعباً في معادلة التوازن الدولي خلال السنوات المقبلة.