كشف أسرار أربع سفن غارقة من القرن الـ18 قبالة سواحل كارولينا الشمالية… بينها السفينة الإسبانية الأسطورية لا فورتونا

0 1

في اكتشاف أثري مثير يعيد إحياء صفحات من التاريخ البحري المفقود، أعلن فريق من علماء الآثار البحرية عن العثور على أربع سفن قديمة غرقت في القرن الثامن عشر قبالة سواحل ولاية كارولينا الشمالية الأمريكية، بالقرب من ميناء برانسويك تاون التاريخي في منطقة كيب فير. ويعد هذا الاكتشاف واحدًا من أبرز الاكتشافات البحرية الأخيرة في الولايات المتحدة، إذ يكشف عن قصص وصراعات شهدتها هذه السواحل قبل أكثر من 270 عامًا.

ميناء برانسويك تاون… بوابة بحرية استراتيجية

خلال القرن الثامن عشر، كان ميناء برانسويك تاون مركزًا تجاريًا مهمًا على الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية. اشتهر الميناء بتصدير الأخشاب والقطران إلى البحرية الملكية البريطانية، مما جعله هدفًا استراتيجيًا للقوى الاستعمارية الأخرى، وخاصة الإمبراطورية الإسبانية التي كانت تسعى للسيطرة على طرق التجارة في المحيط الأطلسي.

السفينة الإسبانية لا فورتونا… قصة غارة فاشلة

من بين السفن الأربع المكتشفة، برزت السفينة الإسبانية لا فورتونا (La Fortuna)، القادمة من كوبا، والتي لعبت دورًا مأساويًا في إحدى محاولات الغزو الفاشلة. تشير السجلات التاريخية إلى أنه في 4 سبتمبر 1748، رست سفينتان إسبانيتان بالقرب من برانسويك تاون، في إطار خطة لشن هجوم على المستوطنة الإنجليزية القائمة آنذاك.

لكن الأحداث لم تسر كما خطط الإسبان؛ فبعد أيام قليلة من رسوهم، شن المستعمرون الإنجليز هجومًا مضادًا مباغتًا. خلال هذا الاشتباك، تعرضت “لا فورتونا” لانفجار مدمر أدى إلى غرقها في قاع البحر، لتصبح شاهدًا صامتًا على صراع القوى الاستعمارية في تلك الحقبة.

تفاصيل الاكتشاف الأثري

قاد فريق البحث، المكوّن من عالمي الآثار البحرية جايسون روب وجيريمي بوريللي، عمليات الغوص والمسح تحت الماء. عثر الفريق على حطام يضم 47 عارضة خشبية، وهي مكونات أساسية لهياكل السفن في ذلك العصر. وقد تم التعرف على الخشب المستخدم في بناء السفينة على أنه خشب السرو، وهو نوع شائع في منطقة الكاريبي، ما يؤكد أصولها الإسبانية.

بالإضافة إلى ذلك، اكتشف الباحثون أواني خزفية إسبانية بالقرب من موقع الحطام، مما عزز فرضية أن الحطام يعود إلى “لا فورتونا”.

غموض السفن الثلاث الأخرى

المشاركات ذات الصلة
1 من 3

لا تزال هوية السفن الثلاث الأخرى المكتشفة لغزًا محيرًا، لكن التصميم المعماري لبقاياها، إلى جانب القطع الأثرية المستخرجة، يشير إلى أنها تعود لنفس الحقبة التاريخية، وربما كانت جزءًا من أساطيل تجارية أو عسكرية تجوب سواحل أمريكا الشمالية في القرن الثامن عشر.

التحديات التي تواجه عمليات البحث

أحد العوائق الكبيرة أمام دراسة هذه المواقع الأثرية البحرية هو أن حطام السفن منتشر على مساحة واسعة بفعل العواصف القوية التي تجتاح الساحل. هذا الانتشار يعقد جهود التنقيب ويجعل عملية تحديد كل سفينة ومصدرها أكثر صعوبة.

كما أن الظروف البحرية، بما في ذلك التيارات القوية والرؤية المحدودة تحت الماء، تفرض تحديات إضافية على الغواصين والباحثين، مما يتطلب معدات وتقنيات متقدمة للمسح ثلاثي الأبعاد والتصوير تحت الماء.

إقرا أيضاً : اكتشاف ضخم في أعماق المحيط الهادئ: نظام حراري مائي يطلق كميات هائلة من الهيدروجين قد يغيّر مستقبل الطاق

أهمية الاكتشاف من منظور تاريخي

يمثل هذا الاكتشاف نافذة فريدة على حقبة تاريخية شهدت تنافسًا شرسًا بين الإمبراطوريات الأوروبية على السيطرة البحرية. فالسفن الغارقة ليست مجرد هياكل خشبية، بل هي خزائن زمنية تحتوي على قصص البحارة، وبضائع التجارة، وأسرار المعارك.

إعادة بناء تاريخ هذه السفن قد يساهم في فهم أعمق لتاريخ الاستعمار في الأمريكتين، ودور الموانئ مثل برانسويك تاون في رسم خريطة النفوذ السياسي والاقتصادي لتلك الفترة.

بين الأمواج والتيارات، وفي أعماق المحيط الأطلسي الهادئة، ترقد السفن الأربع كأنها صفحات مطوية من كتاب التاريخ. ومع استمرار البحث، قد تكشف هذه الحطام عن مزيد من التفاصيل المثيرة حول رحلاتها، وحمولاتها، والمصير الذي قادها إلى قاع البحر.

إن اكتشاف لا فورتونا وزميلاتها ليس مجرد إنجاز أثري، بل هو فرصة لإعادة إحياء قصص الماضي، وربط الحاضر بجذوره التاريخية العميقة، وربما أيضًا تذكيرنا بأن البحار تخفي في أعماقها أسرارًا لا تنتهي.

تعليقات
Loading...