الدعم الأميركي للأرجنتين.. حل مؤقت لأزمة اقتصادية عميقة تهدد الاستقرار

الأرجنتين على صفيح ساخن

تعيش الأرجنتين واحدة من أعقد مراحلها الاقتصادية في التاريخ الحديث، وسط أزمة نقدية ومالية خانقة جعلت البلاد تتحول من رمز للثراء والرخاء في بدايات القرن الماضي إلى مثال صارخ على هشاشة الاقتصادات الناشئة. ومع تفاقم معدلات التضخم، وانكماش النمو، وتراجع قيمة العملة المحلية، أصبحت الأزمة الأرجنتينية قضية دولية تفرض نفسها على أجندة واشنطن والمؤسسات المالية العالمية.


الدعم الأميركي: خطوة لطمأنة الأسواق

في خضم هذه الأوضاع، جاء إعلان وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت بأن الولايات المتحدة “ستبذل كل ما يلزم” لمساعدة الأرجنتين، ليشمل ذلك:

  • تمديد خطوط مبادلة مالية تصل إلى 20 مليار دولار.
  • الاستعداد لشراء سندات أرجنتينية مقومة بالدولار.
  • توفير ائتمان احتياطي من صندوق استقرار سعر الصرف التابع لوزارة الخزانة الأميركية.

هذه الخطوات اعتُبرت بمثابة جسر قصير المدى يمنح حكومة الرئيس خافيير مايلي فرصة لالتقاط الأنفاس قبل الانتخابات النصفية المقبلة، ويبعث برسالة طمأنة إلى الأسواق العالمية.


جذور الأزمة الأرجنتينية

بحسب تقرير لصحيفة فايننشال تايمز، فإن الأرجنتين، التي كانت في الماضي من أغنى دول العالم، تخلفت عن سداد ديونها السيادية تسع مرات، ما جعلها مرادفاً للأزمات المالية المتكررة.

اليوم، تواجه البلاد معضلة كبرى:

  • ديون خارجية مقومة بالدولار واليورو تتجاوز 95 مليار دولار.
  • احتياطيات صافية لا تتعدى 6 مليارات دولار فقط.
  • التزامات سداد تصل إلى 44 مليار دولار بحلول 2027.

هذا التباين الحاد بين الالتزامات والاحتياطيات يضع حكومة مايلي أمام تحدٍ صعب، خصوصاً مع استمرار تدهور قيمة البيزو وتراجع ثقة المستثمرين.


منشار مايلي.. من الرمز إلى التحدي

عندما تولى الرئيس خافيير مايلي السلطة عام 2023، قدّم نفسه كرأسمالي “فوضوي” يسعى لمحاربة الفساد والهدر، مستخدماً منشاراً كهربائياً رمزياً في حملاته الانتخابية.

لكن بعد بعض النجاحات الأولية في كبح التضخم الشهري، تراجعت ثقة الأسواق مع هبوط البيزو إلى أدنى مستوياته بعد خسارة حزبه في الانتخابات المحلية. هذا الفشل الانتخابي دفع المستثمرين للتخلص من السندات والأسهم الأرجنتينية، ما عمّق الخسائر في مؤشر ميرفال بنسبة 25% منذ بداية العام.


بين قوة البيزو وضعف الصادرات

تتمثل معضلة مايلي في الجمع بين:

  • سياسة البيزو القوي التي تقلل تكلفة الواردات وتخفف التضخم.
  • مقابل تراجع تنافسية الصادرات، ما يقلل تدفق العملة الصعبة الضرورية لسداد الديون.

هذه المعادلة خلقت توتراً في الأسواق، خصوصاً أن الاعتماد على احتياطيات شحيحة لدعم العملة أمر غير مستدام.


آراء الخبراء: الدعم الأميركي غير كافٍ

حمدي أعمر حداد – خبير العلاقات الدولية

يشير إلى أن الدعم الأميركي يمثل مسكناً مهماً يخفف من أزمة السيولة ويعيد بعض الثقة، لكنه غير كافٍ وحده، إذ تحتاج الأرجنتين إلى إصلاحات هيكلية عميقة تشمل:

  • معالجة التضخم.
  • إصلاح المالية العامة.
  • تعزيز بيئة الاستثمار.

الدكتور علي الإدريسي – أستاذ الاقتصاد الدولي

يؤكد أن أي دعم خارجي سينهار إذا لم ترافقه خريطة إصلاح داخلية شجاعة. ويرى أن المساعدات توفر سيولة قصيرة الأجل، لكنها لا تعالج جذور الأزمة، مثل:

  • ضعف الصادرات.
  • عجز الميزانية.
  • الفقر وغياب العدالة في توزيع الدخل.

الدكتور محمد عطيف – أستاذ العلاقات الدولية

يحذر من أن الأرجنتين تحتاج إلى برنامج إنقاذ جديد من صندوق النقد الدولي رغم شروطه الصارمة، مشيراً إلى أن سياسة “العلاج بالصدمة” لم تحقق بعد نمواً مستداماً.


واشنطن والأبعاد السياسية للدعم

لا يقتصر الدعم الأميركي على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يرتبط أيضاً بالحسابات السياسية والجيوسياسية:

  • مساعدة مايلي قبل انتخابات التجديد النصفي لتعزيز حضوره في الكونغرس.
  • دعم حليف أيديولوجي للرئيس الأميركي دونالد ترامب في منطقة تتوسع فيها النفوذ الصيني.
  • إرسال إشارة للأسواق بأن واشنطن لن تسمح بانهيار أحد أهم اقتصادات أميركا اللاتينية.

خلاصة: مسكن قصير الأجل لا يعالج الأزمة

يمكن القول إن الدعم الأميركي يوفر للأرجنتين فترة هدنة مالية قد تساعدها في تثبيت البيزو وتهدئة الأسواق مؤقتاً. لكنه لا يعالج التحديات البنيوية العميقة مثل:

  • تآكل الاحتياطيات.
  • تضخم مزمن.
  • عجز هيكلي في الميزانية.
  • ضعف الصادرات.

الحل الحقيقي يكمن في إصلاحات اقتصادية جذرية، وتعاون دولي أوسع يشمل صندوق النقد ومؤسسات مالية كبرى، إلى جانب بناء شبكة حماية اجتماعية تضمن استقراراً سياسياً ومجتمعياً.

وبينما تصف تقارير بلومبيرغ المساعدات الأميركية بأنها “جسر نحو الانتخابات”، فإن السؤال الأهم يبقى: هل تستطيع الأرجنتين تحويل هذا الجسر إلى طريق طويل نحو الاستقرار المستدام؟

تعليقات
Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. نفترض أنك موافق على ذلك، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا رغبت في ذلك. قبول اقرأ المزيد